السبت، 8 ديسمبر 2012

الاعلان الدستورى .. تساؤلات مشروعة

 

حتى نجنب أنفسنا الحديث عن قانونية اصدار الرئيس لاعلان دستوري من عدمه وما إذا كانت بنود الاعلان السدتوري خاضعة للمحكمة الدستورية أم محصنة منها دعونا ندخل مباشرة فى بحث  مبررات اصدار الاعلان الدستوري.

 

إن المبرر الرئيسى لاصدار الاعلان الدستورى طبقاً لما قاله الرئيس وسط مؤيديه يوم الجمعة 23/11/2012 والذى يستمر مستشاري الرئيس فى ترديده هو حاجة البلاد الضرورية والملحة إلى الاستقرار السياسي ، الأمر الذى يتطلب انتهاء الدستور والاستفتاء عليه والبدء في انتخابات المجالس التشريعية ، وأن الطريقة الوحيدة لتحقيق سرعة إنهاء الدستور هو بتحصين اللجنة التأسيسية القائمة من مراقبة القضاء حول أسلوب وطريقة تشكيلها وما يعنيه ذلك من احتمالية اصدار حكم قضائى بحلها. وفى حالة حلها سنعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر ، والجدل حول كيفية تشكيل اللجنة وأسلوب عملها وما إلى ذلك .

وما لا يغيب عن فكر أى أحد بأن هذا سيؤدى بنا إلى اطالة المرحلة الانتقالية التى نعيشها والتى نعانى فيها من غياب السلطة التشريعية مع احتمال زيادة حدة ما نشاهده من مظاهر القلق والصراع بين القوى السياسية المختلفة.

 

ومع اتفاق طبقة عريضة على ضرورة الاسراع فى تحقيق الاستقرار السياسي، لما يترتب عليه من أهمية بالغة فى تحقيق الاستقرار الأمنى، والخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية ، والمضي قدماً فى  ترسيخ ديمقراطيتنا الوليدة فى حياة المصريين جميعاً وما إلى ذلك . ومع اتفاق تلك الطبقة على أن الاسراع فى انهاء الدستور والاستفتاء عليه واجراء انتخابات المجالس التشريعية وفقاً له، من شأنه أن يساعد على الاسراع فى إنهاء مشروع الدستور والاستفتاء عليه واجراء انتخابات المجالس التشريعية وفقاً له، من شأنه أن يساعد على التحول الديمقراطى و يدعم الاستقرار السياسى، إلا أن هناك الكثير من التساؤلات التى أثيرت وأثارت الشك حول المبررات الحقيقة لصدور هذه القرارات. فهناك شواهد عديدة تشير إلى ان الغرض الأساسي والرئيسى من وراء هذه القرارات هو سيطرة الرئيس على جميع مؤسسات الدولة الأمر البعيد تماماً عن تحقيق الاستقرار المنشود، بل على العكس .. فإن من شأن ما تضمنه هذا الاعلان غير المسبوق من تجميع السلطات الثلاث .. التفيذية والتشريعية بل وأيضاً الثقافية فى يد الرئيس، أن يتعارض مع الهدف المنشود من تحقيق الاستقرار السياسي، الذى يتحقق باحترام مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث.

ولقد رأينا فى الأيام الأخيرة أن هذه القرارات قد أدت إلى تعميق الانقسام داخل المجتمع المصري إلى مجموعتين متصارعتين وهما مجموعة انصار الاسلام السياسي، وبالأخص أنصار الحرية والعدالة ومجوعة انصار الدولة المدنية، وهذا من شأنه أن يعمق من حالة الاستقطاب وأن يحول دون الوصول إلى الاستقرار السياسي المطلوب.

 

ويستطرد المعارضون لهذه القرارات بالقول بأن الدراسة الموضوعية لجميع ما تضمنته هذه القرارات من بنود، وتوقيت اصدارها، تشير إلى أن مبرر اصدارها ليس قاصرا على مجرد تحقيق الاستقرار السياسى على فرض التسليم بأن هذا هو احد اهدافها، ولكن الهدف غير المعلن الأكثر اهمية هو تأكيد سيطرة الرئيس وحزبه على جميع مقاليد السلطة على نحو يضمن تحقيق التفوق فى الانتخابات التشريعية القادمة، بعد ان لوحظ انخفاض شعبية الحزب فى الشهور الاخيرة. ان الرئيس سيظل متمتعا بتحصين ما يصدره من قرارات وقوانين واجراءات وتصرفات ضد اية رقابة قضائية حتى انتخاب اعضاء المجالس التشريعية القادمة، ودون ان يكون هناك أية حقوق للأحزاب الأخرى المتنافسة فى الاعتراض قضائيا على ما يصدر عن السيد الرئيس من شأنه أن يخل بحياد وموضوعية العملية الانتخابية، وهذا هو الخطر الحقيقى.

 

وبفرض حسن نية السيد الرئيس وحزبه، وبفرض قبول فكرة تحصين اللجنة التأسيسية ضد الحل القضائى كثمن باهظ لتحقيق الاستقرار السياسى المنشود للإسراع فى انهاء الدستور، فإن السؤال يظل باقيا وهو لماذا لم تقتصر قرارات الرئيس على ما يضمن سرعة اصدار الدستور، ولماذا تمتد هذه القرارات لتشمل أمورا لا علاقة لها مباشرة بهدف تحقيق الاستقرار السياسى؟ وعلى سبيل المثال لنا أن نتساءل عن سبب تحصين مجلس الشورى ضد احتمال الحل القضائى والمصوغات لحله مماثلة تماما لمصوغات حل مجلس الشعب، ولقد سبق ان قبل الرئيس ما صدر من احكام تقضى بحل مجلس الشعب ؟ ولنا ان نتساءل لماذا اللدد فى الخصومة تجاه النائب العام والتصميم على عزله دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للقضاء؟، ولماذا يعطى الرئيس لنفسه حق تعيين النائب العام الجديد متجاوزا مرة أخرى سلطات المجلس الأعلى للقضاء؟. ولماذا التشكيك فى حياد السلطة القضائية والهجوم المستمر على رموزها، وفى مقدمتهم قضاة المحكمة الدستورية العليا؟ ولماذا الحرص على تحصين جميع القرارات والتصرفات والإجراءات والقوانين التى اتخذها الرئيس فى السابق ومنذ توليه الرئاسة، وما سيتخذه فى المستقبل ضد احتمال الإلغاء أو وقف التنفيذ قضائيا. إن النظرة الشاملة لما أصدره السيد الرئيس من قرارات تشير إلى أن الاستقرار السياسى لم يكن هو الهدف، أو على الأقل لم يكن هو الهدف الوحيد، وأن الهدف الحقيقى أو على الأقل الرئيسى هو تأكيد سيطرة الرئيس وحزبه على جميع المؤسسات لضمان الفوز فى انتخابات المجالس التشريعية القادمة التى تعد نتائجها قضية حياة أو موت لحزبه، مستغلا ما وفرته له القرارات الأخيرة من الجمع بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعدم خضوعه فى مباشرته لهذه الاختصاصات الواسعة غير المسبوقة لأية رقابة قضائية.

 

ان الاستقرار السياسى الذى يتم من خلال السيطرة على مقاليد ومفاصل الدولة، ان تحقق، فإنه سيكون ذا طبيعة مؤقتة سرعان ما يتلاشى خلالها الأمل فى اقامة حياة ديمقراطية سليمة. ان الاستقرار السياسى الحقيقى الذى ينشده المجتمع المصرى هو الذى يتحقق فى ظل توافق بين جميع القوى السياسية، والتزام كل قوة بدورها الحقيقى فى تدعيم الديمقراطية. من يحصل على أغلبية الأصوات له الحق فى أن يحكم وعليه أن يحترم المعارضة ويعترف بأهمية وجودها ومشاركتها بالحوار فى رسم السياسات. وعلى المعارضة أن تنتقد على نحو بناء، متعاونة مع من يحكم لتحقيق مصلحة الوطن. أن لكل من الأغلبية والمعارضة دوره فى ظل النظام الديمقراطى لخدمة الأمة، تحقيقا لاستقرارها ونهضتها، فى ظل مناخ تعلو فيه مصالح الوطن على المصالح الذاتية الضيقة.

 

وأخيرا لقد حاول الرئيس أن يغطى الأهداف الحقيقية لقراراته بغلاف من القرارات التى يعتقد أنها تحظى بقبول شعبى، وفى مقدمتها قرار الاستمرار فى محاربة الفساد وبكل قوة وتقديم مرتكبيه إلى المحاكمات الناجزة، وزيادة معاشات شهداء ومصابى الثورة، بل وإعادة محاكمة من سبق محاكمته من رموز النظام السابق. ومع ترحيبى بقرارات رعاية شهداء ومصابى الثورة، وقرارات تقديم كل من أفسد إلى المحاكمة، ومع تحفظى على قرارات إعادة محاكمة من سبق محاكمته على نحو مطلق دون احترام شرط توافر أدلة جديدة، فإن من الصعب القول بأن مثل هذه القرارات يتعين أن تصدر ضمن ما يمكن أن يطلق عليه إعلان دستورى، كما لا يمكن قبول محاولة الرئيس توفير القبول الشعبى لقراراته غير الشعبية المتعلقة بتوسيع سلطاته وتحصين قراراته، عن طريق تغليفها بقرارات من شأنها التأثير على قدرة المجتمع على الحكم على الأهداف الحقيقية لهذه القرارات غير الشعبية على نحو موضوعى ومحايد.

 

.بقلم : اسر صالح
القسم : السياسى
مدير المدونه : ماجد عزت

هناك تعليقان (2):

  1. حلو اسلوبك جدا زميلى آسر وتعبيراتك غاية فى الدقة لكنى لدى ملاحظة ...الصحافة الراقية تبتعد تماما عن اظهار الرأى الشخصى لما لها من قدرة على توجيه الناس وقد ظهرت ميولك وان حاولت اخفائها فى بعض التعبيرات اذكر منها
    .
    ( وأخيرا لقد حاول الرئيس أن يغطى الأهداف الحقيقية لقراراته بغلاف من القرارات التى يعتقد أنها تحظى بقبول شعبى)
    .
    ولكن لك تحياتى ..

    ردحذف
    الردود
    1. من غير العادل ألا أعبر عن رأيى وألا تسيطر علي أيديولوجيتى .. المقال ليس هدفه الحياد ، قدر أن أقنع القارئ بوجهة نظري

      شكراً على ردك

      حذف